من مفاوضات عبد البهاء
D/1574/1980/10
من
مفاوضات عبد البهاء
محادثات على المائدة
من منشورات دار النّشر البهائيّة في بلجيكا
MAISON D’ÉDITIONS BAHÁ’ÍS
205, RUE DU TRÔNE
1050 BRUSSELS, BELGIUM
صفحة خالية
مقدّمة
وضعتها ناشرة الكتاب باللّغة الإنجليزيّة
(معرّبة عن الإنجليزيّة)
بسمه تعالى
حمداً لله وثناءً إذ إنّه جلّ شأنه زيّن بكمال عنايته الإنسان بطراز العقل والنّهى وبذلك هداه لاكتشاف أسرار الكائنات ومعرفة رموز الأسماء والصّفات، وشاءت إرادته الأزليّة في هذا الدّور الأعلى الّذي هو مظهر شروق النّور الأبهى أن يرتبط الشّرق والغرب برابطة المحبّة الإلهيّة، وأن تزول الاختلافات المذهبيّة والفوارق القوميّة والوطنيّة، وأن يكون سطح الكرة الأرضيّة كلّه وطناً واحداً يشترك فيه كافّة أفراد النّوع الإنساني. نعم إنّ العباد جميعاً في هذا اليوم البديع هم أوراق غصن واحد وقطرات بحر واحد. فالمنّة لله تعالى الأزليّ السّرمديّ الّذي وفّق هذه الذّرّة الفانية مع قلّة البضاعة وعدم الاستحقاق واللّياقة للعبوديّة والطّاعة، فتشرّفت بفيض لقاء حضرة “عبد البهاء” روحي لتراب أقدامه الفداء، وأشربني ذلك السّاقي الأزليّ بيده الفيّاضة كأس المعاني.
وبعد أن تشرّفت هذه الذّرّة الفانية عدّة مرّات بزيارة أرض المقصود (الأراضي المقدّسة)، ونالت منتهى آمالها وأمانيها، كان كلّ أعضائها وجوارحها شوقاً لإدراك الحقائق الرّوحيّة والاغتراف من ذلك البحر بحر المعاني الّذي لا ساحل له، فسألت حضرة عبد البهاء عدّة أسئلة تتعلّق بالأمر الأبهى وبعض المسائل الإلهيّة وأجاب حضرته على هذه الأسئلة كلّها بحسب مدركاتي الضّعيفة بنهاية الرّأفة والشّفقة مع مشاغله اليوميّة المستمرّة الّتي لم يكن يستطيع معها أن يستريح لحظة واحدة، ولكي
تستطيع هذه الفانية أن تتأمّل عند سنوح الفرصة وفراغ البال في تلك المسائل الغامضة، عيّن حضرته كاتباً نشيطاً ليدوّن بياناته حين التّكلّم.
ولمّا لم يكن لي إلمام باللّغة الفارسيّة ولا كفاية للخوض في عباب المسائل المعضلة الإلهيّة، كان في غالب الأحيان يضطرّ حضرة عبد البهاء أن يكرّر المسألة الواحدة في مواضع متعدّدة، والاستعارات والتّشبيهات الّتي كان يستعملها في موضوع معيّن كان يستعملها أيضاً في مواضع أخرى، ومع أنّ هذه الحقائق العالية كان يستلزم ذكرها أن تصاغ في عبارات أسمى، إلاّ أنّ حضرته بيَّنها بعبارات سهلة بسيطة وكانت النّتيجة بعد مدّة أن تكوّنت مجموعة وجيزة من تلك الأسئلة والأجوبة، وقد كانت هذه الفانية تتمتّع بالتّأمّل في حقائقها الباهرة فجال بخاطري ألاّ يحرم الظّمأى لزلال المعرفة من ماء الحياة الأبديّ هذا ليستفيض النّفوس من البهائيّين وغيرهم من الطّوائف الأخرى من الحقائق المندرجة في آيات ذلك الفيض السّرمديّ.
فلهذا استأذنت حضرة عبد البهاء أن أطبع وأنشر تلك الأسئلة والأجوبة بهيئة كتاب يستفيد منه العموم، فقمت بعد صدور الإجازة بتنظيم وترتيب هذه الفصول حسبما رأى نظري القاصر حتّى أصبحت هذه اللّئالئ المنثورة عقداً منظوماً وباشرت بطبعها ونشرها عن رضاء وطيب خاطر ليكون هديّة قيّمة وكنزاً ثميناً لأولي الفضل والمعرفة، ولي الأمل أن يكون هذا الكتاب وسيلة لأن يصل الأمر الأقدس الأبهى (الّذي أنار الآفاق وغيّر وجهة العالم) إلى مسامع كافّة النّفوس في أنحاء الكرة، ويصل صيته الّذي أحاط العالمين إلى مسامع القريب والبعيد من أمم العالم.
كليفورد بارني أمريكانية
باريس في 16 يناير 1908 11 ذي الحجّة 1325
كلمة لجنة التّرجمة والنّشر
قامت هذه اللّجنة تلاحظها العناية الإلهيّة بتعريب كتاب “مفاوضات حضرة عبد البهاء” بعد أن صدر بذلك قرار المحفل الرّوحاني المركزي للبهائيّين بالقطر المصريّ وبتوفيق الله تعالى وعونه وعنايته بذلت قصارى جهدها في هذا العمل وكان نصب عينها ومطمح نظرها أن تقدّم لقرّاء العربيّة كتاباً من خير الكتب الّتي أخرجت للنّاس في هذا الظّهور المبارك (والمفاوضات) وأيم الحقّ كتاب قيّم تتضوّع من بين سطوره روائح الحقيقة وترفع الحجب والأستار لقارئه بنفحات القدس عن المعاني الحقيقيّة لبعض المسائل المعضلة الإلهيّة.
وإنّ اللّجنة لتعتقد أنّها وإن كانت بذلت غاية الجهد في ترجمته إلاّ أنّها مع ذلك ترى أن الأصل الفارسيّ للكتاب المترجم كاللّب والتّرجمة بمثابة القشر. وفي يقينها أيضاً أنّها قد تحرّت الحقيقة في التّرجمة وتوخّت جهد الاستطاعة أن تجعل التّرجمة مطابقة للأصل، وكان شعارها في هذا العمل المجيد التّفاني في خدمة أمر الله وانتشاره بين بقاع العالم ليتمتّع الإنسان في الشّرق والغرب بنفحات أمره المبارك وآثاره التّي كمنت فيها سعادة العالم وهناءته.
هذا وإنّ اللّجنة لتتمنّى وترجو من قرارة النّفس وحبّة القلب أن يرى هذا الكتاب الجليل منتفعاً به محقّق الأثر بين ربوع العالم الإنساني في أنحاء الكرة الأرضيّة عامّة. هدى الله به أهل العالم إلى سواء السّبيل.
هذه الطّبعة
كلمة النّاشر
نشر هذا الكتاب القيّم لأوّل مرّة باللّغة الفارسيّة في عام 1908، ثمّ نشرت ترجمته الإنجليزيّة عدّة مرّات تحت عنوان Some Answered Questions وتلا نشره باللّغات الحيّة الأخرى ومن جملتها التّرجمة العربيّة الّتي نشرت عام 1928 في مصر.
والآن يسرّ هذه الدّار أن تعيد طبع التّرجمة العربيّة تلبية لرغبة الكثيرين من الأحبّاء الأعزّاء، ومن الجدير بالذّكر أنّ ما أوردناه في هذه الطّبعة تمّت مقارنتها بالنّسخة الفارسيّة المنشورة في عام 1908 بكلّ دقّة وتمحيص فنقِّح بعض عباراتها وأدخل فيها ما كان ساقطاً سهواً من الكتاب في الطّبعة الأولى.
إنّنا إذ نسدي الشّكر خالصاً للسّيدة الفاضلة كليفورد بارني الّتي اهتمّت بجمع هذه البيانات المباركة وجعلها كتاباً ينطق بكثير من الحقائق الرّوحانيّة ويحلّ عديداً من المعضلات الاجتماعيّة والإنسانيّة، نقرّ أيضاً بجهود أولئك الّذين أتحفوا النّاطقين بالضّاد بهذه النّادرة الفريدة في طبعتها الأولى.
ولعلّ من واجبنا كذلك أن نثني على المساعي الّتي بذلت لمراجعة الكتاب مرّة أخرى إعداداً لهذه الطّبعة، راجين الله القويّ القدير أن يقدّر لهم جميعاً مثوبة العاملين المخلصين بمنّه وجوده.
دار النّشر البهائيّة في بلجيكا
القسم الأوّل
مقالات حول
تأثير الأنبياء في تربية النّوع الإنسانيّ وترقيته
(محادثات على المائدة)
صفحة خالية
(1)
هو الله
الطّبيعة خاضعة لقانون عام
الطّبيعة هي كيفيّة أو حقيقة ينسب إليها بحسب الظّاهر الحياة أو الموت أو بعبارة أخرى يرجع إليها تركيب جميع الأشياء وتحليلها، وهي خاضعة لنظم صحيحة وقوانين ثابتة وترتيبات كاملة وهندسة بالغة لا تتجاوزها أبداً إلى درجة أنّك لو تلاحظ بنظر دقيق وبصر حديد تجد أنّ الكائنات في عالم الوجود من الذّرّات غير المرئيّة إلى أعظم الكرات الجسيمة ككرة الشّمس وسائر النّجوم العظيمة والأجسام النّورانيّة في نهاية درجة من الانتظام سواء من حيث التّرتيب أو التّركيب أو من حيث الهيئة أو الحركة، وتراها جميعاً تحت قانون كلّيّ واحد لا تتجاوزه أبداً، وإذا نظرت إلى الطّبيعة ذاتها، تجدها بلا شعور ولا إرادة، فمثلاً النّار طبيعتها الإحراق وتحرق بلا إرادة ولا شعور، والماء طبيعته الجريان ويسيل بلا إرادة ولا شعور، والشّمس طبيعتها الضّياء وتضيء بلا إرادة ولا شعور، والبخار طبيعته الصّعود ويصعد بلا إرادة ولا شعور، ويتّضح من هذا أنّ الحركات الطّبيعيّة لجميع الكائنات جبريّة، ليست لكائن ما حركة إراديّة سوى الحيوان ولا سيّما الإنسان، فالإنسان يقدر على مخالفة الطّبيعة ومقاومتها، لأنّه كشف طبائع الأشياء، وبذلك يحكم على الطّبيعة وأنّ ما وصل إليه من الاختراعات والصّنائع كانت نتيجة كشفه النّقاب عن طبائع الأشياء
كاختراعه البرق (التّلغراف) الّذي اتّصل به الشّرق والغرب، ومن هذا نعلم أنّ للإنسان سلطاناً وحكماً على الطّبيعة.
فهل يمكن أن يقال أنّ تلك النّظم والتّرتيبات والقوانين الّتي تشاهدها في الوجود هي من تأثيرات الطّبيعة، مع أنّها لا إدراك لها ولا شعور؟ إذاً فالطّبيعة ليس لها إدراك ولا شعور وهي في قبضة الحقّ القدير، المدبّر لعالم الطّبيعة ويظهر منها ما يشاء.
يقولون إنّ من جملة الأمور الّتي تحدث في عالم الوجود من مقتضيات الطّبيعة هو وجود الإنسان، إن صحّ ذلك يكون الإنسان فرعاً والطّبيعة أصلاً، وهل من الممكن أن توجد إرادة وشعور وكمالات في الفرع ولا يوجد لها في الأصل؟ فتبيّن من هذا أنّ الطّبيعة من حيث ذاتها في قبضة الحقّ الحيّ القدير الّذي حكمها وأخضعها لقوانين ونظم ثابتة.
(2)
دلائل الألوهيّة وبراهينها
ومن جملة دلائل الألوهيّة وبراهينها أنّ الإنسان لم يخلق نفسه بل الخالق والمصوّر له غيره، ومن اليقين الّذي لا مرية فيه أنّ خالق الإنسان ليس مثل الإنسان لأنّ الكائن الضّعيف ليس في مقدوره أن يخلق كائناً آخر مثله، والخالق الفاعل يجب أن يكون حائزاً لجميع الكمالات حتّى يمكنه أن يخلق ويصنع، فهل من الممكن أن يكون الصّنع في نهاية الكمال والصّانع ناقص؟ وهل يمكن أن يكون النّقش في نهاية الإتقان والنّقّاش غير ماهر في صنعه؟ مع أنّ النّقش من عمله وصنعه، والنّقش لن يكون
مثل صانعه وإلاّ لنقش نفسه. ومهما كان النّقش في نهاية الكمال فإنّه إذا قورن بالنّقّاش يبدو في نهاية النّقص، وعليه فالإمكان معدن النّقائص والله تبارك وتعالى مصدر الكمال، وإنّ وجود النّقائص في عالم الإمكان لدليل على كمالات الله، فمثلاً إذا نظرت إلى الإنسان ترى أنّه عاجز فعجز الخلق دليل على قدرة الحيّ القدير، فإن لم تكن القدرة لما أمكن تصوّر العجز، إذاً فعجز الخلق دليل على قدرة الحقّ ولو لم تكن القدرة لما تحقّق العجز ومن هذا العجز ندرك أنّ في العالم قدرة.
مثلاً في عالم الإمكان فقر، فلا بدّ من وجود الغنى الّذي يتحقّق به الفقر، وفي العالم جهل فلا بدّ من وجود العلم الّذي يتحقّق به الجهل، لأنّه لو لم يكن العلم لما تحقّق الجهل، لأنّ الجهل عدم العلم، ولو لم يكن الوجود لما تحقّق العدم.
ومن المسلّم به أنّ عالم الوجود خاضع لأحكام ونظم لا يتجاوزها أبداً، وحتّى الإنسان مجبر على الموت والنّوم وغيرهما، أي أنّه محكوم في بعض المراتب، ولا بدّ لهذا المحكوم من حاكم، وما دام الاحتياج صفة الممكنات ومن لوازمها الذّاتيّة، فلا بدّ من وجود غنيّ بذاته، مثلاً يعلم من وجود المريض أنّ هناك صحيحاً ولو لم يكن هناك الصّحيح لما ثبت وجود المريض، وعليه صار من المعلوم أنّه يوجد حيّ قدير حائز لجميع الكمالات لأنّه إن لم يكن متّصفاً بالكمالات بأسرها لكان كالخلق أيضاً، كما وأنّ أدنى صنعة من الصّنائع في عالم الوجود تدلّ على صانع لها، فهذا الخبز مثلاً يدلّ على أنّ له صانعاً، سبحان الله ألا يدلّ تغيير هيئة الكائنات الجزئيّة على صانع؟ وهذا الكون العظيم اللاّمتناهي أوجد من تلقاء نفسه وتحقّق من تفاعل المواد والعناصر! فما أوضح بطلان هذه
الفكرة! هذه أدلّة نظريّة للنّفوس الضّعيفة، ولو فتحت عين البصيرة لشاهدت مائة ألف دليل من الدّلائل الباهرة، مثال هذا لو كان للإنسان إحساس روحيّ لاستغنى عن دليل لإثبات وجود الرّوح، أمّا النّفوس المحرومة من الفيض الرّوحيّ فتحتاج لإقامة الدّلائل الخارجة عن عالم الرّوح.
(3)
إثبات لزوم المربّي
لو نمعن النّظر في عالم الوجود نلاحظ أنّ عالم الجماد والنّبات والحيوان والإنسان كلاًّ وطرّاً في حاجة إلى مربٍّ، فإذا لم يكن للأرض مربٍّ يتعهّدها تصير غابة وتخرج نباتاً لا فائدة فيه، أمّا إذا وجد لها من يتعهّدها ويرعاها فإنّها تؤتي أكُلاً يقتات به ذوو الأرواح، إذاً صار من المعلوم أنّ الأرض تحتاج إلى عناية الزّارع ورعايته لها، انظروا إلى الأشجار إنّها لو تركت بدون مربٍّ فإنّها لا تأتي بثمر وتكون عديمة الفائدة، أمّا إذا تربّت وتعهّدت فذلك الشّجر غير المثمر يصبح مثمراً، وبالتّربية والتّلقيح والتّطعيم تعطي الأشجار ذات الأثمار المرّة فواكه شهيّة، وهذه أدلّة عقليّة وأهل العالم اليوم في حاجة إلى الدّلائل العقليّة.
وكذلك انظر إلى الحيوان تجده بالتّربية يصبح أليفاً، وإذا ترك إنسان بلا تربية يصير حيواناً بل لو ترك والطّبيعة صار أحطّ من الحيوان أمّا إذا ربّيته ألفيته ملاكاً، لأنّ أكثر الحيوان لا يأكل أبناء نوعه، أمّا الإنسان في السّودان بأواسط أفريقيا فإنّه يفتك بأبناء نوعه ويأكلهم،
ومن هذا ترون أنّ التّربية هي الّتي تجمع الشّرق والغرب تحت راية حكم الإنسان، والتّربية هي الّتي تظهر كلّ هذه الصّنائع العجيبة، والتّربية هي الّتي تروّج هذه الفنون والعلوم العظيمة، والتّربية هي الّتي تظهر هذه المكتشفات، فولا المربّي لما تهيّأت بأيّ وجه من الوجوه أسباب الرّاحة والمدنيّة هذه كما ترى، ولو ترك إنسان في صحراء بحيث لا يرى أحداً من أبناء نوعه فلا مرية في أنّه يصبح حيواناً محضاً.
يعلم من هذا أنّه لا بدّ من المربّي، ولكنّ التّربية على ثلاثة أنواع تربية جسمانيّة، وتربية إنسانيّة، وتربية روحانيّة، فالتّربية الجسمانيّة هي لنشوء الجسم ونموّه وذلك يكون بتسهيل سبل المعيشة وتوفير أسباب الرّاحة والرّفاهية الّتي فيها يشترك الإنسان والحيوان، وأمّا التّربية الإنسانيّة فهي عبارة عن المدنيّة والتّرقّي والسّعادة، يعني السّياسة والنّظام والتّجارة والصّناعة والعلوم والفنون والاستكشافات العظيمة والاختراعات الجليلة الّتي بها يمتاز الإنسان عن الحيوان، وأمّا التّربية الإلهيّة فهي تربية ملكوتيّة، هي اكتساب كمالات إلهيّة، هي التّربية الحقيقيّة، إذ بها يكون الإنسان في هذا المقام مركز السّنوحات الرّحمانيّة ومظهر (لنعملنّ إنساناً على صورتنا ومثالنا)، وهذا هو المقصد الأسمى للعالم الإنساني.
فنحن الآن نريد مربّياً يكون مربّياً جسمانيّاً ومربّياً إنسانيّاً ومربّياً روحانيّاً نافذ الحكم في جميع الشّؤون.
ولو يقول أحد إنّني كامل العقل والإدراك وغير محتاج لذلك المربّي إنّه منكر للبديهيّات ومثله كمثل طفل يقول إنّني لست محتاجاً للتّربية وأعمل حسب ما يوحيه إليّ فكري وبنفسي يمكنني الحصول على
كمالات الوجود، أو كمثل أعمى يقول إنّني في غنى عن البصر لأنّ هناك عميان كثيرين وهم عائشون، إذاً صار من الواضح المشهود أنّ الإنسان محتاج إلى المربّي ولا شكّ أنّ هذا المربّي يجب أن يكون كاملاً في جميع المراتب وممتازاً عن جميع البشر في كلّ الشّؤون لأنّه لو كان كسائر البشر لا يكون مربّياً، خصوصاً وأنّه يجب أن يكون مربّياً جسمانيّاً ومربّياً إنسانيّاً ومربّياً روحانيّاً، أي ينظّم ويدبّر الأمور الجسمانيّة ويشكّل الهيئة الاجتماعيّة حتّى يحصل التّعاون والتّعاضد في المعيشة وتنظّم وترتّب الأمور المادّيّة في كلّ الأحوال.