هذا ما نُزِّلَ مِنْ جَبَرُوتِ العِزَّةِ بِلِسانِ القُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ عَلَى النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلُ. وَإِنَّا أَخَذْنا جَوَاهِرَهُ وَأَقْمَصْناهُ قَمِيصَ الاخْتِصارِ فَضْلاً عَلَى الأَحْبَارِ لِيُوفُوا بِعَهْدِ اللهِ وَيُؤَدُّوا أَمانَاتِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلِيَكُونُنَّ بِجَوْهَرِ التُّقَى فِي أَرْضِ الرُّوحِ مِنَ الفائِزِينَ.
فِي أَوَّلِ القَوْلِ امْلِكْ قَلْباً جَيِّداً حَسَناً مُنيراً لِتَمْلِكَ مُلْكاً دائِماً باقِياً أَزَلاً قَدِيماً.
أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ راغِباً وَلا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِيناً وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ.
كُنْتُ فِي قِدَمِ ذاتِي وَأَزَلِيَّةِ كَيْنُونَتِي؛ عَرَفْتُ حُبّي فِيكَ خَلَقْتُكَ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مِثالِي وَأَظْهَرْتُ لَكَ جَمَالي.
أَحْبَبْتُ خَلْقَكَ فَخَلَقْتُكَ، فَأَحْبِبْني كَيْ أَذْكُرَكَ، وَفِي رُوحِ الْحَياةِ أُثَبِّتُكَ.
أَحْبِبْني لأُِحِبَّكَ. إِنْ لَمْ تُحِبَّنِي لَنْ أُحِبَّكَ أَبَداً فَاعْرِف يا عَبْدُ.
رِضْوانُكَ حُبِّي وَجَنَّتُكَ وَصْلي فَادْخُلْ فِيها وَلا تَصْبِرْ. هذَا ما قُدِّرَ لَكَ فِي مَلَكُوتِنا الأَعْلَى وَجَبَرُوتِنَا الأَسْنى.
إِنْ تُحِبَّ نَفْسي فَأَعْرِضْ عَنْ نَفْسِكَ، وَإِنْ تُرِدْ رِضائِي فَأَغْمِضْ عَنْ رِضائِكَ، لِتَكُونَ فِيَّ فانِياً وَأَكُونَ فِيْكَ باقِياً.
ما قُدِّرَ لَكَ الرَّاحَةُ إِلاَّ بِإِعْراضِكَ عَنْ نَفْسِكَ وَإِقْبالِكَ بِنَفْسي، لأَِنَّهُ يَنْبَغي أَنْ يَكُونَ افْتِخارُكَ بِاسْمِي لا بِاسْمِكَ، وَاتِّكالُكَ عَلى وَجْهِي لا عَلى وَجْهِكَ لأَِنِّي وَحْدي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَحْبوباً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
حُبِّي حِصْني مَنْ دَخَلَ فِيهِ نَجا وَأَمِنَ وَمَنْ أَعْرَضَ غَوَى وَهَلَكَ.
حِصْنِي أَنْتَ فَادْخُلْ فِيهِ لِتَكُونَ سالِماً. حُبّي فِيْكَ فَاعْرِفْهُ مِنْكَ لِتَجِدَني قَريباً.
مِشْكاتِي أَنْتَ وَمِصْباحِي فِيْكَ؛ فَاسْتَنِرْ بِهِ وَلا تَفْحَصْ عَنْ غَيْري، لأَِنِّي خَلَقْتُكَ غَنِيَّاً وَجَعَلْتُ النِّعْمَةَ عَلَيْكَ بالِغَةً.
صَنَعْتُكَ بِأَيادِي الْقُوَّةِ وَخَلَقْتُكَ بِأَنامِلِ الْقُدْرَةِ، وَأَوْدَعْتُ فِيْكَ جَوْهَرَ نُوري فَاسْتَغْنِ بِهِ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، لأَِنَّ صُنْعي كامِلٌ وَحُكْمي نافِذٌ لا تَشُكَّ فِيهِ وَلا تَكُنْ فِيهِ مُرِيباً.
خَلَقْتُكَ غَنِيّاً كَيْفَ تَفْتَقِرُ، وَصَنَعْتُكَ عَزِيزاً بِمَ تَسْتَذِلُّ، وَمِنْ جَوْهَرِ العِلْمِ أَظْهَرْتُكَ لِمَ تَسْتَعْلِمُ عَنْ دُونِي، وَمِنْ طينِ الْحُبِّ عَجَنْتُكَ كَيْفَ تَشْتَغِلُ بِغَيْري؛ فَأَرْجِعِ الْبَصَرَ إِلَيْكَ لِتَجِدَني فِيكَ قائِماً قادِراً مُقْتَدِراً قَيُّوماً.
أَنْتَ مُلْكِي وَمُلْكِي لا يَفْنى. كَيْفَ تَخافُ مِنْ فَنائِكَ، وَأَنْتَ نُوري وَنُوري لا يُطْفى. كَيْفَ تَضْطَرِبُ مِنْ إِطْفائِكَ، وَأَنْتَ بَهائِي وَبَهائِي لا يُغْشى، وَأَنْتَ قَمِيصي وَقَميصِي لا يَبْلَى. فَاسْتَرِح فِي حُبِّكَ إِيّايَ لِكَيْ تَجِدَنِي فِي الأُفُقِ الأَعْلى.
وَجِّهْ بِوَجْهِي وَأَعْرِضْ عَنْ غَيْرِي، لأَِنَّ سُلْطانِي باقٍ لا يَزُولُ أَبَداً وَمُلكِي دائِمٌ لا يَحُولُ أَبَداً. وَإِنْ تَطْلُبْ سِوائِي لَنْ تَجِدَ لَوْ تَفْحَصُ فِي الوُجُودِ سَرْمَداً أَزَلاً.
انْسَ دُونِي وَآنِسْ بِرُوحِي، هذا مِنْ جَوْهَرِ أَمْري فَأَقْبِلْ إِلَيْهِ.
اكْفِ بِنَفْسِي عَنْ دُونِي وَلا تَطْلُبْ مُعِيناً سِوائِي، لأَِنَّ ما دُونِي لَنْ يَكْفِيَكَ أَبَداً.
لا تَطْلُبْ مِنِّي ما لا نُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ ارْضَ بِما قَضَيْنَا لِوَجْهِكَ، لأَِنَّ ما يَنْفَعُكَ هذا إِنْ تَكُنْ بِهِ راضِياً.
أَوْدَعْتُ فِيكَ رُوحاً مِنِّي لِتَكُونَ حَبِيباً لِي؛ لِمَ تَرَكْتَنِي وَطَلَبْتَ مَحْبُوباً سِوائِي.
حَقِّي عَلَيْكَ كَبِيرٌ لا يُنْسَى، وَفَضْلِي بِكَ عَظيمٌ لا يُغْشى، وَحُبِّي فِيكَ مَوْجُودٌ لا يُغَطَّى، وَنُوري لَكَ مَشْهُودٌ لا يَخْفى.
قَدَّرْتُ لَكَ مِنَ الشَّجَرِ الأَبْهى الْفَواكِهَ الأَصْفى، كَيْفَ أَعْرَضْتَ عَنْهُ وَرَضِيتَ بِالَّذي هُوَ أَدْنى، فارْجِعْ إِلى ما هُوَ خَيْرٌ لَكَ فِي الأُفُقِ الأَعْلَى.
خَلَقْتُكَ عَالِياً، جَعَلْتَ نَفْسَكَ دانِيَةً؛ فَاصْعَدْ إِلى ما خُلِقْتَ لَهُ.
أَدْعُوكَ إِلى الْبَقَاءِ وَأَنْتَ تَبْتَغِي الْفَنَاءَ، بِمَ أَعْرَضْتَ عَمَّا نُحِبُّ وَأَقْبَلْتَ إِلى ما تُحِبُّ.
لا تَتَعَدَّ عَنْ حَدِّكَ وَلا تَدَّعِ ما لا يَنْبَغِي لِنَفْسِكَ، اسْجُدْ لِطَلْعَةِ رَبِّكَ ذِي الْقُدْرَةِ وَالاقْتِدارِ.
لا تَفْتَخِرْ عَلَى الْمِسْكِينِ بِافْتِخارِ نَفْسِكَ، لأَِنِّي أَمْشي قُدّامَهُ وَأَراكَ فِي سُوءِ حالِكَ وَأَلْعَنُ عَلَيْكَ إِلَى الأَبَدِ.
كَيْفَ نَسِيتَ عُيوبَ نَفْسِكَ وَاشْتَغَلْتَ بِعُيُوبِ عِبادِي. مَنْ كانَ عَلى ذلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةٌ مِنِّي.
لا تَنَفَّسْ بِخَطَأِ أَحَدٍ ما دُمْتَ خاطِئاً، وَإِنْ تَفْعَلْ بِغَيْرِ ذلِكَ مَلْعُونٌ أَنْتَ، وَأَنَا شاهِدٌ بِذلِكَ.
أَيْقِنْ بِأَنَّ الَّذي يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْعَدْلِ وَيَرْتَكِبُ الْفَحْشَاءَ فِي نَفْسِهِ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنِّي وَلَوْ كانَ عَلى اسْمِي.